يمثل مفهوم التسويق الأخضر أو ما يعرف بالتسويق البيئي، باستراتيجية تروّج فيها الشركات لعلامتها التجارية بطريقة تظهر مدى ملاءمتها للبيئة. ومدى دعمها للحملات والمبادرات الخضراء. ففي ظل الظروف الراهنة شهد العالم تزايدًا واسعًا بالوعي البيئي على مختلف الجوانب والأصعدة. ومن أهم الأسباب التي قادت به لهذا الاتجاه. هو ارتفاع معدل التلوث البيئي والذي شمل تلوث الهواء والماء المخصص للشرب. والتغير المناخي العالمي بسبب تخرب طبقة الأوزون. بالإضافة للأمطار الحامضية ونقصان المساحات الخضراء وقطع الأشجار وغيرها من التحديات التي تهدد أمن الإنسان وسلامة الكوكب.
فعلى ضوء هذه التطورات بدأت منظمات وجمعيات مختلفة حول العالم بإعادة النظر بواجباتها الاجتماعية والأخلاقية. وذلك في ممارستها التجارية ومنح القضية البيئية أهمية بارزة في استراتيجيتها التسويقية. ومن هنا برز الاهتمام بنوع جديد من التسويق سمي بالتسويق الأخضر. كمنهج تسويقي يعطي حلولًا لتلك المسائل البيئية والاجتماعية السلبية. ويتمحور حول الالتزام بالمسؤولية الخضراء في ممارسة الأنشطة التجارية.
ما هي أبعاد مفهوم التسويق الأخضر
يعتمد تطبيق التسويق الأخضر على أربعة أبعاد رئيسية وهي:
- تقليل حجم النفايات أو إلغائها: لقد غيّر التسويق الأخضر من المفهوم التقليدي للتعامل مع النفايات، فقد ركّز على إنتاج وتصنيع السلع من دون نفايات أو إنتاجها بالحد الأدنى. بدلًا من عملية التخلص منها، وذلك عبر رفع كفاءة مراحل العملية الإنتاجية.
- إعادة تكوين مفهوم المنتج: يتجسد في مواكبة تكنولوجيا الإنتاج لمفهوم المنتج الأخضر. والذي يعتمد بشكل أساسي على مواد خام غير ضارة بالبيئة فضلًا عن قابلية هذه المنتجات لإعادة التدوير بعد الانتهاء من استخدامها وخاصة المعمرة منها. كذلك التغليف يجب أن يعتمد على مواد عضوية صديقة للبيئة وقابلة للتدوير.
- شفافية العلاقة بين التكلفة والسعر: حيث يجب أن يعكس سعر المنتج مقدار تكلفته الفعلية أو قيمة قريبة منها، كما أن على هذه التكلفة أن تتناسب مع الفائدة العائدة من استخدامه. مضافًا لها الفائدة عن كونه منتجًا أخضرًا.
- تحقيق الأرباح عبر التوجه البيئي: لقد أدركت الكثير من الشركات أن التسويق الأخضر بمثابة فرصة سوقية. قد تقدم للشركة ميزةً تنافسيةً وربما مستدامة وخاصةً مع تصاعد الوعي البيئي لدى المستهلكين وتحولهم تدريجيًا لمستهلكين خضر، وبالتالي سيكون هذا التوجه أمرًا مربحًا على المدى الطويل.
عناصر المزيج التسويقي الأخضر
يتألف التسويق الأخضر من أربعة عناصر أساسية وهي كالتالي:
• المنتج الأخضر: تندرج جميع المنتجات المصممة والمصنعة وفقًا لمجموعة من المقاييس أو المعايير التي تهدف إلى الحفاظ على البيئة عبر توفير الطاقة واستخدام المواد الطبيعية غير السامة والتقليل قدر الإمكان من استنزاف الموارد الطبيعية مع مراعاة المحافظة على خصائص الأداء الأساسية للمنتج تحت مسمى المنتجات الخضراء. حيث تساهم المنتجات الخضراء في حماية الموارد الطبيعية ودعم التنمية المستدامة، كونها تستخدم موادًا عضويةً قليلة التأثير على البيئة، حيث يتم تعبئتها وتغليفها بمواد آمنة بيئيًا وبالتالي لا ينتج من استخدامها نفايات مضرة. كما يمكن إعادة تدويرها أو استعمالها عدة مرات.
يعتمد تصميم المنتجات الخضراء على العديد من الجوانب أبرزها: دراسة تأثير المنتج بعد إجراء التعديلات البيئية المناسبة عليه على عدة أصعدة سواء بيئية أو اقتصادية أو اجتماعية، ومراعاة جميع القضايا البيئية للتقليل من الأثار غير المرغوبة للمنتج على البيئة في جميع مراحل عملية الإنتاج، تصميم المنتج بهدف تلبية احتياجات الزبائن وتوافقه مع رغباتهم. بعد ذلك يتم المصادقة على المنتج من قبل أنظمة الشهادات والمنظمات الحاكمة على أنه أخضر بعد تقييمه تبعًا لمعايير الكفاءة البيئية.
• السعر الأخضر: يعد السعر أحد أهم العناصر للمزيج التسويقي كونه يمثل الواجهة المعبرة عن مواصفات وجودة المنتج والمحدد الأساسي لإقبال المستهلك على شراء هذا المنتج من عدمه.
حيث يستدعي إنتاج المنتجات الخضراء تعديل في العملية الإنتاجية وهذا قد يتطلب مزيدًا من النفقات، وبالتالي زيادة سعر هذه المنتجات التي تكون بمثابة عقبة أمام المستهلكين غير المقتنعين بالسعر أو غير القادرين على دفع هذه التسعيرة الخضراء. مما يجعل قبول المنتج الأخضر في السوق أمرًا غايةً في الصعوبة. ولكن يمكن إيجاد بعض الحلول لمشاكل الأسعار الخضراء تتمثل بخفض سعر هذه المنتجات وجعلها متقاربة مع أسعار المنتجات الشائعة في السوق أو عن طريق تجميل صورة المنتجات الخضراء وتعزيز قيمتها في نظر المستهلك عبر تحسين أداء وتصميم المنتج وجعله يلائم جميع احتياجات الزبائن.
• المكان الأخضر: يرتبط هذا المفهوم بعملية توزيع المنتجات الخضراء دون إلحاق الضرر بالبيئة. ويعتمد ذلك على الاستخدام السليم للطاقة والوقود والخدمات اللوجستية بأقل قدر من انبعاثات الغازات السامة. حيث يعد اختيار المكان المناسب لجعل المنتج متوفرًا ذا أهمية كبيرة في جذب المستهلك، فمعظم المستهلكين غير قادرين على السفر لاقتناء المنتجات الخضراء. كما تشغل مصاريف النقل حيزًا كبيرًا من تكاليف الأعمال. لذلك يمكن توفير الأموال المصروفة في النقل والتوزيع من خلال إنتاج المنتجات الخضراء محليًا أو بتسويقها عبر الإنترنت.
• الترويج الأخضر: يمثل الترويج جميع الأنشطة التي تهدف إلى إعطاء المنتجات صورة مثالية ومقنعة للمستهلك بغية خلق الإقبال والطلب على هذه المنتجات. فالترويج في سياق التسويق الأخضر يتضمن إبراز أهمية البيئة الصحية للمستهلكين وتوعيتهم بالمنتجات الخضراء وتشجيعهم على اقتنائها، بالإضافة إلى الإعلان عنها بطريقة صديقة للبيئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عن طريق الجمعيات البيئية.
كما تقوم بعض الشركات بتعزيز ترويجها الأخضر عبر إشراكها في حملات تطوعية تهدف لنشر الوعي البيئي، ووضع برامج تدعم البيئة وتبين أهمية المحافظة عليها.
مزايا التسويق الأخضر
تبنّي فلسفة التسويق الأخضر يحقق للشركات أرباح ومكاسب ضخمة ومن الممكن أن يضعها على عرش الهرم التنافسي ويكسبها شرف القيادة في السوق. وفي هذا الصدد سنقدم إليكم بعض المزايا المترتبة عن ممارسة التسويق الأخضر:
- يمكن للشركة أن تدخل العديد من الأسواق الجديدة، واختراق أسواق مستهدفة في حال لفتت الانتباه إلى التأثير البيئي الإيجابي الذي يقدّمه منتجهم، مما سيحقق لها مكاسبًا وأرباحًا ضخمة فضلًا عن اكتسابها سمعةً جيدةً في المجتمع.
- يسلط الضوء على استخدام المنتجات الصديقة للبيئة، ويركّز على إنتاج سلع آمنة بيئيًا، كما أنه يشجع على العمل بالعديد من المشاريع التي تساهم بالحفاظ على البيئة كتشجيع زراعة الأشجار، وتقليل التلوث، وإعادة تدوير النفايات.
- يعود بمزيد من الأرباح على الشركة فجيل الألفية يسعون لدفع المزيد من الأموال من أجل المنتجات الخالية من المواد الكيميائية التي تصنّع من مواد قابلة لإعادة التدوير، ولها تأثير إيجابي مساعد للبيئة.
- يرفع معدل الوعي بشأن المشاكل البيئية المهمة فالشركة الداعمة للمنتجات البيئية تجذب الجماهير، وتكسب احترامًا كبيرًا. وذلك من خلال الأنشطة والعروض الترويجية الخاصة. على سبيل المثال، تتبرع باتاغونيا بقسم من المبيعات للمؤسسات الخيرية البيئية لذلك تحظى بقسط كبير من الاحترام. كما تدعم شركة هول فودز الزراعة المستدامة من خلال مورديها، وأقامت مقياسًا لتنظيف المنتجات المباعة.
عيوب التسويق الأخضر
رغم المزايا المتعددة التي يتمتع بها التسويق الأخضر، إلا أنه يمتاز ببعض العيوب نذكر منها:
- التكاليف المترتبة التي تنتج عن التغيير: يتطلب تغيير أساليب التسويق وقتًا طويلًا، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف. هذا فضلًا عن حاجتها لمواد قابلة للتجديد وقابلة لإعادة التدوير والتي يمكن أن تتسبب بتكاليف باهظة الثمن.
- الشهادات الخضراء باهظة الثمن ومكلفة: لتسويق الشركة منتجاتها على أنها خضراء أي مساعدة للبيئة، اعتمادًا على مجال العمل، قد يضطر صاحب الشركة إلى المرور بعملية طويلة، معقدة ومكلفة لكي يحصل على الشهادات البيئية.
- الغسيل الأخضر: نظرًا لأن التسويق الأخضر يمتاز بالعديد من المزايا للأعمال التجارية للشركة، فإن الكثير من الشركات الكبرى تحاول أن تبدو أكثر اخضرارًا. فتحاول الشركة أن تجعل منتج غير مستدام يبدو أخضر من خلال الاهتمام بالقليل من التفاصيل واستخدام الدعاية الكاذبة والادّعاءات الخادعة.
الإجراءات المطلوبة لنجاح إستراتيجية التسويق الأخضر
لنجاح تبني فكرة التسويق الأخضر يجب على الشركة أن تقوم بمجموعة من الإجراءات لتمهد الطريق أمامها، وتشمل:
- بحث شامل عن القضايا البيئية في الوقت الراهن.
- وضع برنامج بيئي واضح وواقعي.
- دراسة وقياس جميع الأثار البيئية الناتجة عن أنشطة المنظمة.
- استخدام أحدث وأكفأ الوسائل لتأهيل العاملين ضمن التوجه البيئي للشركة.
- القيام بالأبحاث العلمية لإيجاد حلول للأزمة البيئية.
- القيام بالحملات التعليمية لتثقيف المستهلكين ورفع معدل وعيهم البيئي.
- مراقبة تطور مناهج التسويق الأخضر في ظل تغير القوانين والتشريعات.
- المساهمة في دعم وتأسيس الجمعيات البيئية المعنية بشؤون البيئة والمجتمع.
- دعم الجهود والمبادرات البيئية على كافة الأصعدة والمستويات.
وفي الختام تعرفنا على مفهوم التسويق الأخضر وأدركنا سبب الاهتمام العالمي بهذا النمط من التسويق، منوهين إلى أهمية البيئة وضرورة الحفاظ عليها كونها الموطن الأول والوحيد لجميع مخلوقات الأرض.